<HR style="COLOR: #c7e2ff" SIZE=1>
مات.. وهو يبتسم
--------------------------------------------------------------------------------
خروب.. خروب لذ يذ ومن نبى النبى نبى لذيذ دوى بها صوت شعبان بائع الخروب وهو رجل قصير رفيع
القوام يحمل على صدره وبطنه قربة الخروب فيخال لمن يراه أن القربه هي التي تحمله لاهو الذي يحملها.
ضرب شعبان بصاجاته ثم دوى صوته خروب .. خروب واللي يشربه فيه بيدوب.. توقف شعبان أمام دكان
جوده الحلواني ضاحكا وهو يهتف جوده ياحلوانى لك منى أجمل التهاني وأجمل الأماني من قربة المحبوب
أشرب لازم تشرب خروب.. ضحك جوده قائلا والله ما حرد أديك يا شعبان صب ثمانية أكواب ليه وللصنا
يعيه..ضج صوت الصنايعيه بالشكر.. قال المعلم جوده لشعبان مداعبا تأخد حسابك فلوس ولا هريسه
وبسبوسه.نظر اليه شعبان ببشاشه مرددا ولاهريسه ولا بسبوسه وحياه رب المحروسه حتى ولو كانت
منقوشه.. أدينى جنيهين وصلى على الزين..دس جوده النقود في يد شعبان هاتفا زجال ورب الكعبة..اللهم
صلى عليه.. صباحك زي الفل. أنصرف شعبان ميمما نحو محل مصيلحى الخضري مرددا صباح الخضره
والخضار.. يا منجى يا عالم الأسرار.. نجينا من الأخطار.. وبأرسل جميل الأنوار على مصيلحى بعدد كل حبة
كوسه وباميه وخيار.. ضحك شعبان قائلا كوبين يا معلم شعبان.. صباحك نادى مليان كله خير إن شاء
الله.أعطاه شعبان الكوبين مجيبا صباح الفل والياسمين.. بأديك الطاهرين ادينى نص جنيه.. وما تلجأ إلا اليه..
فرجه قريب..وسيد نا النبي الحبيب دايما صلى عليه..أجاب مصيلحى الله أم صلى وسلم عليك يا بدر البدور يا
سيدنا الحبيب..نظر اليه شعبان قائلا على فكره أوعى تنسى فرح بنت أم أميره النهارده عقبال ولادك.. الوليه ما
لهاش حد لاهى ولا بنتها من بعد موت جوزها والنهارده الحاره كلها هى أهلها وكل ناسها..رد مصيلحى أصيل
والله ياشعبان من المغرب حقفل الدكان وأروح أقوم با لواجب وزياده. تركه شعبان وأخذ يجول فى الحارات يبيع
خروبه.. ساعات وساعات حتى كلت قدماه من التعب فقرر الذهاب إلى منزل أم أميره ليزورها هى وأبنتها
العروس ليطمئن على أن كل شيء على ما يرام. أقترب من باب البيت وأطلق صيحته المعهوده يا ساتر.. ثم
طرق الباب مناديا.. يا أم أميره.. يا أم أميره.. فتحت له أميره الباب وعلى وجهها ترتسم سحائب الأحزان
وكسرة الخاطر. نظرت اليه بوجه حزين مفسحة له الطريق.. أتفضل يا عم شعبان..دخل شعبان متوجسا وقد
أدرك بفراسته أن الحال ليس على مايرام بالنسبه للفرح. فنظر إلى أم أميره والتي كانت جالسه على الأرض
منكسه رأسها هاتفا السلام والتحيه لأم أجمل عروسه فى الجيهه كلها..رفعت أم أميره رأسها ونظرت لشعبان
ووجهها كله غارق فى الدموع وأجابت بصوت متحشرج تخنقه الدموع وعليكم السلام يا معلم شعبان .. أكفهر
وجه شعبان متسائلا أيه اللى حصل، مالك يا أم أميره، وهو ده برضه كلام، فى حد يعيط يوم فرح بنته. رمقته
أم أميره بوجه منكسر وهى تردد ما با ليد حيله يا معلم شعبان، حعمل أيه، أنا شقيت العمر كله علشان ا للحظه
دى..علشان أفرح بيها.. فنيت عمرى لأجل خاطرها.. ولكن أعمل أيه، العين بصيره والأيد قصيره، وكل اللى
معايا صرفته فى جهازها، وأنت عارف حارتنا حارة الفقرا كل واحد على قد حاله، عايزه أفرح با لبنت، دنا مش
طمعانه إلا فى فرعين نور وشوية شربات .. نفسى أفرح بيها زى كل الأمهات ما بيفرحوا بولادهم.. ثم
أجهشت با لبكاء. ترقرقت الدموع فى عين شعبان ولكنه حبسها قبل أن تنسال على خدوده، وقال بصوت حنون
الفرح حيتعمل يا أم أميره، وحيبقى أحلى فرح لأجمل بنت با لحاره كلها، ولا تعينى أى هم، سبيها على
الله ..سبيها على الله ثم قام منصرفا وهو يردد سبيها على الله وعيون أم أميره وبنتها تتبعانه سائله مستفسرة
. هرول شعبان إلى حجرته الوحيدة مثله واتجه مباشرة إلى كنبته التي ينام عليها منذ عشرات السنين وقذف
مرتبتها على الأرض ثم فتح سحارتها وأخرج منها حقيبه بلغت من العمر عتيا ونفض التراب عنها ثم فتحها
وأخرج من إحدى جوانبها منديل مصرور ، فتحه وأخرج مابه من نقود وشرع يعدها فوجد أنها تبلغ مائة جنيه
هى كل ما يملكه فقد كان يحوشها ليوم مماته لمصاريف دفنه حيث أنه وحيد وليس له أهل سيهتمون به يوم يلقى
ربه. دس النقود فى جيب جلبابه وحمل قربته وخرج متجها لحى السماحه إلى أن بلغ دكان نور الكهربائي
فدخل ملقيا السلام مرددا صباح الأنوار على أبو الأنوار..تبسم نور مجيبا كوبين، صب له شعبان الخروب..د س
نور فى يد شعبان النقود ولكن شعبان رفض أخذها قائلا خليها المرة دى عليه، والنبي قبل الهديه، رد شعبان
ضاحكا الله أم صلى عليه ..خلاص ياسيدى قبلنا الهديه. أقترب شعبان من نور قائلا عايزك فى موضوع يا
اسطي نور..نظر اليه الأسطى نور سائلا خير إن شاء الله يا معلم شعبان..دخل شعبان مباشرة فى
الموضوع ..الليله عندنا فرح بنتنا وبنت حارتنا أميره وأنت عارف إنها يتيمه ما لهاش غيرنا وعايزك تزوقلها
البيت وقدام البيت بفرعين نور بس والنبي تخليك حنين علينا فى الأتعاب. أجاب نور بود من عينيه وربك لحملأ
لها البيت زينه وأنوار وما حا خد إلا نص الحساب.أنطلق صوت شعبان مجلجلا فى سعادة اللهم صلى على
النبي.. هى دى الشهامه ولا بلاش.. الله يكرمك ويكرم أصلك يا معلم نورثم أردف متسائلا وكم الأتعاب؟ أجاب
نور عشرين جنيه وإذا كانوا كتير ادفع اللي تقدر عليه.أجاب شعبان فرحا ده كده تمام التمام الله يكرمك ونقد نور
النقود موصيا نور .. مش حوصيك يا أسطى نور، أجابه نور أعتبر إن الفرح ده فرح أختي. تركه شعبان
مهرولا إلى شارع الطيبين وحبات العرق تتساقط من وجهه متوجها لدكان المعلم راضى للفراشه ملقيا عليه
السلام معرجا على الموضوع مباشرة .. النهار ده فرح بنتنا أميره وعايزين ربطتين كراسى نفرشهم قدام البيت
بس هاود بربك معانا فى الأتعاب لأنك عارف إن البنت ما لهاش غيرنا ويتيمه. رد المعلم راضى بصوت حنون
الكراسي والفراشه منى هديه لحى الفقرا و لبنتنا أميره.. وبأمر الله حاجى الفرح بالليل وحقوم بأحلى واجب لأج
ل نفرح كلنا ببنتنا..فجرت كلمات راضى الدموع من عين شعبان فشد على يد المعلم راضى داعيا الله أن يحفظه
ويجعله أهل للخير دائما. ترك شعبان المعلم راضى وقد تفصد العرق من كل جسده وشعر بألم فى صدره نبهه
إلى أنه فى زحمة الأحداث نسى أن يأخذ حبة من الدواء لقلبه المريض والذى أهداه له الطبيب عندما علم انه
ليس بوسعه شرائه. ضرب شعبان يده فى جيب جلبابه يتحسس علبة الدواء ولكنه لم يجدها.. لقد نساها، ولكن
الوقت ضيق، لاوقت لديه للرجوع للحجره واخذ الدواء .. فا لساعه قاربت على الرابعة ظهرا وعليه بتخليص
كل مطالب الفرح.. فأخذ يهون على نفسه الأ لم قائلا كلها ساعه و أعود للمنزل وأخذ الدواء. أنطلق مسرعا الى
محل المعلم السكرى الشرباتلى ونقده عشرين جنيه ثمن الشربات والملبس وطلب منه توصيله لمنزل أم أميره
كما دعاه لحضور الفرح. ثم انطلق صوب محل الأسطى سيكا صاحب فرقة الأفراح النحاسيه وهو يحدث نفسه
آخر مشوار يا شعبان خلاص، ودفع له عشرين جنيه لأحياء الليلة واتفق معه أن تنطلق الزفه من محل الأسطى
سيكا حتى بيت العريس ثم تتجه الى بيت العروس وأكد عليه ألا تتحرك الفرقة إلا فى حضوره فى تمام الخامسه
مساء. اشتدت علي شعبان آلام قلبه أكثر من ذي قبل، ولكنه تحامل على نفسه مهونا على نفسه الأمر.. هانت
يا شعبان.. أديك راجع للبيت وتأخذ العلاج.. دخل شعبان حجرته منهك القوى وجرى إلى المائدة الوحيد فى
حجرته وأختطف علبة الدواء وأبتلع حبة منها فى سرعة وتلهف ثم رمى عن كاهله القربة وتمدد على الكنبة
وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة . لحظات مرت حتى أستعاد شعبان أنفاسه وعادت دقات قلبه المريض إلى الانتظام
من جديد. قام شعبان وغسل وجهه وارتدى جلبابه الهرم الوحيد وربط عمامته على رأسه وارتدى خفه فى قدميه
ثم تناول نبوته الذي لم يمسسه منذ أمد طويل والذي كان يرقص به فى أفراح الحي. يمم شعبان شطر دكان
سيكا وهو يشعر أنه ليس على ما يرام ولكنه تحامل مواسيا نفسه أهي ليله وتعدى وبكره حبقى زي الفل إن شا ء
ء الله. رفع شعبان نبوته فى الهواء معلنا بدا الاحتفال ، ودوت الموسيقى تعزف الأ لحان يتقدمها شعبان وهو
يلعب بنبوته فى الهواء، وكلما مروا على دكان أغلقه صاحبه وتبع الزفة. أما على الجانب الأخر كانت أم أميره
وبنتها فى فرح شديد ممزوج با لزهول ومن شدة فرح أم أميره كانت تنسال الدموع من عينيها كأنها المطر ثم
لاتلبث أن تزغرد لبنتها وهى تحتضنها فى فرح شديد رافعة يدها للسماء شاكرة ربها داعية لشعبان ولأهل حيها
الخيرين بكل الخير.. اقتربت الزفة من منزل العريس فرفع حسونه نبوته فى الهواء معطيا أشاره للفرقة با
لتوقف. فإذا با لزغاريد تجلجل من كل اتجاه وهبط العريس وحوله النسوة وهن يرششن الملح عليه واستقبله
حسونه والرجال معانقين مهنئين، واتخذ العريس مكانه فى مقدمة الركب يحيطه الرجال و أعطى شعبان إشارة
السير وسار الركب تجاه بيت العروسه وبين لحظه وأخرى يدوي صوت شعبان اللهم صلى على النبي. رشح
العرق من كل جسد شعبان المنهك وعاد الأ لم إلى قلبه المتعب فوضع يده على قلبه وهو يسر لنفسه خير.. إن
شاء الله خير. وصلت الزفه لبيت العروسه فإذا الأرض مفروشه با لرمل وقد علقت الأنوار على المنزل
ورصت الكراسي على الجانبين وأزدحم المكان با لمهنئين من أهل الحي، النسوة يزغردن والشباب يحملون
صواني الشر بات يدورون بها على المعازيم . أطلق شعبان صيحته الفرحة اللهم صلى على النبي المختار..
اللي ما يصلى عليه يحتار.. يارب تمم الأنوار.. وامنح العروسين طول الأعمار. والفرقه تعزف أجمل الألحان
والتف الشباب حول العروسين يرقصون ويهللون ودموع أم العروس الفرحة تنهمر كا لمطر. أزدادت آلام قلب
شعبان وأصبحت لا تحتمل فنادى على أم أميره وانزوى بها جانبا ودس فى يدها بقيه النقود التى معه قائلا نقوط
بنتنا أميره يا أم اجمل عروسه.. علشان بكره فى الصباحية تجيبلها كل اللي هى عايزاه.. وأنا إن أحياني ربنا
لبكره حزورها وأقوم با لواجب معاها.. وربنا يعلم لو كان معايه أكتر ما كنت عزيته عنها. أنسالت الدموع على
خدود أم أميره وأخذت يد شعبان محاولة تقبلها وهى تدعوا له..سحب شعبان يده قائلا أستغفر الله ده أنتي أختنا
وأميره بنتنا ثم أستأذنها فى الانصراف متعللا بأنه نسى شاله با لحجره وسيذهب لإحضاره ويعود بسرعه. مشى
شعبان بخطوات سريعه أمام الناس وما أن أبتعد قليلا عن الفرح حتى مشى بخطوات عليلة بطيئة يتساند على
حوائط البيوت من حائط لأخر وهو يضع يده على قلبه الذي تحمل آلامه كثيرا. ولكن الآلام الآن أصبحت لا
تطاق فأطلق صيحة الم كظمها منذ ساعات ليفرج بها عن ألمه أه.. أه.. يارب.. يارب .. وأخيرا وصل شعبان
إلى حجرته ففتح الباب بصعوبة ومد يده المرتعشه إلى المائدة متناولا علبة الدواء فى لهفة مبتلعا حبة دواء ثم
توجه متحاملا على نفسه إلى الكنبة ملقيا نفسه عليها وهو يشعر بأختناق وبآ لام شديدة فى قلبه.. رفع عينه
لسقف الحجرة مرددا بصعوبة يارب.. يارب.. أما على الجانب الأخر فكانت الفرحة تعم الفرح بأكمله بين
راقص ومزغردة وموزع للشر بات والملبس.. وأم العروسه تحتضن أبنتها العروس فى فرح وسعادة.. والرجال
يضحكون ويطلقون التعليقات المرحة ...أما شعبان...فقد مات... مات وهو يبتسم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ